مواعظ من الجليس الصالح الكافي و الأنيس الناصح الشافي
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: " إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ، إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً هذه صفحة خاصة تُدون عليها فقرات فيها عبر و حكم ، تدور بين ، آيات القرآن الكريم و الحديث النبوي الشريف، و اللغة العربية ، بمواضيعها النحو و البلاغة ، لتكون مرآة تنعكس عليها روعة التشريع بمصدريْه، و روعة اللغة العربية بعلومها ، كل ذلك لتعم الفائدة ، و يستقيم لسان الناشئة ، الذي انحرف على جادة لغته الخالدة ، بخلود الوحيين : كتاب الله و سنة رسوله ، و ما تناقله العلماء من بيان أسرارهما ، و أسرار اللغة التي أنزلهما الله بها ، فما علينا إلا الإبحار في بحريْهما لنستخرج منهما الجواهر و الدرر ، و نورثها لأجيالنا الصاعدة ،التي نحن مسؤولون عن توجيهها الوجهة الصحيحة ، و الله من واء القصد و هو يهدي السبيل.
المجلس الأول حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، إِمْلاءً فِي يَوْمِ الأَحَدِ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ الرَّبِيعِ الزِّيَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عليه وَسلَّمَ خَطًّا، فَقَالَ: " هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا يَمِينًا، وَشِمَالا، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ " قال القاضي أبو الفرج:و هذا القول من النبيء صَلى اللهُ عليه وَسلَّمَ و التمثيل من أبين الأقوال البليغة و أفصحها ،و أرصن الأمثال البليغة المضروبة الصحيحة و أوضحها، و ذلك أنه خط خطا جعله مثل الصراط في استقامته إذ لا زيغ فيه و لا ميل ، ثم خط خطوطا يمنة و شأمة آخذة في غير سمته و جهته،تفرق بمن سلكها و اتبعها عن السبيل التي هي سبيل الهدى، و النجاة من مرديات الهوى، و بهذا جاء وحي الله و تنزيله في كتابه الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ، قال جل ذكره :{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} (13) سورة الشورى فدل هذا على مثل ما دلت عليه الآية التي تلاها رسول الله رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عليه وَسلَّمَ في الخبر الذي روناه ، فقال تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } (159) سورة الأنعام و قال أيضا :{فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (53) سورة المؤمنون ، في كثير مما يضاهي هذا المعنى ، و السبيل : الطريق . و قول النبيء صَلى اللهُ عليه وَسلَّمَ في هذا الخبر حين خط الخط (( هذا سبيل الله )) يحتمل أن يكون إشارة إلى الخط فذُكِّر ، إذ الخط مذكر ، و جائز أن تكون الإشارة فيه إلى السبيل فذكره إذ العرب تذكّر السبيل و تؤنثه، و قد جاء في التنزيل باللغتين، على أن منهم من يذكر الطريق و منهم من يؤنثه، و كذلك الصراط ، قال تعالى في التذكير : {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} (146) سورة الأعراف و قال في التأنيث :{وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (9) سورة النحل و قال أيضا :{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف و التذكير و التأنيث كثير موجود في الكتاب و السنة .
المجلس الثاني حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ، أَبُو عُمَرَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَهْشَلُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عليه وَسلَّمَ: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيُنْصِتْ " قال القاضي:هذا حديث غريب ، و الأخبار متظاهرة عن النبيء صَلى اللهُ عليه وَسلَّمَ أنه قال " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ و في بعض الروايات : أو ليَسْكُتْ . و لما ملَّ علينا أبو عمر هذا الخبر أيقبل على من يليه كالمبتسم و إلى جنبه أبو بكر النيسابوري كالمتعجب المستغرب لهذه اللفظة ، و معنى هذه الألفاظ تتفق . و نحوٌ منه ما ورد الخبر به من قوله : رحم الله امرأ تكلم فغنم أو سكت فسلم . و في الكلام مما هو خير و صدق و عدل ، و حق الأجر و الفائدة، و الغنيمة الباردة ، و في الصمت في مواطن الصمت الراحة و السلامة ، و التنزه عما عاقبته المكروه و الندامة، و قد ذكر في فضل النطق ومدح الصمت نثرا و نظما ما يطول إتيانه و يكثر تعداده ، و ليس هذا موضع الإتيان به ، و جملة القول أن لكل واحد من الأمرين موضعا هو فيه أولى من صاحبه، و قد يعتدلان في بعض الأحوال و يتقاربان ، و إن كانا في بعضها يتفاوتان و يتفاضلان، و قد حدثنا عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقيقي : قال : حدثنا الحسن بن عمر السبيعي ، قال : سمعت بشر بن الحارث يقول : الصبر هو الصمت ، و الصمت هو الصبر ، و لا يكون المتكلم أروع من الصامت إلا رجل عالمٌ يتكلم في موضعه و يسكت في موضعه .