الجواب :قال الإمام الرازي رحمه الله
إنه لم يتوجَّه ذلك على كل واحد منهم فرضا ، و ذلك لأن الله عزَّ و جلَّ روءف بعباده من أن يكلفهم ما لا طاقة لعامَّتهم به ، و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( بُعثْت بالحنفية السهلة السمْحَةِ ) فلو كلفوا على العموم لعجز الأكثر عنه لأن القرآن أعظم شأنا و أمنع جانبا من أن يُتأتَّى حفظه لكل إنسان أو يتيسر بكل لسان ، أو ينطلقَ به ، أو يطيقه كل أحد ، أ و يحيط به كل حِفْظٍ ، أو يحويه كل فهم ، أو يعيه كل قلب ، أو يسترسل له كل طبع ، أو يحتمله كل سنٍّ، ألا ترى أن الجزء الذي منه توجَّه فرضُه على كل مكلَّف ، و هو الفاتحة في الأكثر و آيها أعتقد هو جزء من ثلاثة آلاف و ثمانمئة و سبعين جزءا ، و كثير على عدد الكَلِمِ قد أعيا عامة الأمة تأدِّيه على حد الواجب قديما و حديثا ،و تفاوتت بقراءته درجاتهم، و اختلفت على إقامته ألسنتهم و طباعهم ، و كثرت لتجويده على النحو المرضي رياضتهم ، حتى إنه قد يختلف كثير من الفُضَّلِ عن إمامة الصلاة لقصورهم عنه إقامةً على سواء الصواب ، بتقدم المفضولين عليهم فيها، لإقامتهم إياه على حد الواجب ، أو أجود ممن أُخٍّرَ عنها ، فإذا كان هذا دأبهم مع الجزء اللطيف الذي كلفوا منه فكيف تراهم كانوا أن لو كلفوا جميعه على الأعيان مع عزّته و صعوبته و كثرة متشابهه ، و مُشْكِله ، و اختلاف حركاته ، و سكونه ، و نقطه ، و اعجامه ، و قد قال عزّ و جلّ :{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } (17) سورة القمر و قوله أيضا :{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} (97) سورة مريم . و لكن الله عز و جل و إن لم يكلفهم جميعه على الأعيان لما فيه من المشقة و الإمتناع عن الكثير ، فإنه عز و جل لم يُحِبَّ من جميعهم إلا حفظه طواعية منهم ، أو الجدَّ و الإجتهاد فيه إلى تصَرُّمِ الآجال ، و إبلاء العُذْرِ عند الله عزّ و جلّ للعجز ، بدليل الوعيد لمن نسي شيئا منه بعدما تعلّمه ، إذ الوعيد من الله لم يرد إلا في ترك الفرائض إو فيما يجري مجراها
0 Commentaires
الوسائل المساعدة على الحفظ
الوسائل الشخصية الإخلاص: قال ابن مبارك : أول العلم النية الدوافع الذاتية:لها دور فعال في إنجاز العمل و هي : الرغبة، التطلع ، الإهتمام ، فاجتماع هذه الصفات تُوَلِدُ التركيز العمر المناسب:المبادرة إلى حفظ القرآن في سن مبكرة أفضل من جهة رسوخ الحفظ في الذهن سلامة البدن و قوة الذاكرة:الذاكرة تنطوي على ثلاثة عناصر على الأقل و هي : التمثل: و هو القدرة على التعرف على الشيء بعد إدراكه الإحتفاظ : و هو تخزين الذهن للخبرات المكتسبة الإسترجاع :و هو استحضار المحفوظ و من الضروري أن يسبقه التمثل و الإحتفاظ جمع الهم :أي التركيز الذهني و ما يعين عليه : الخلوة ، و الإبتعاد عن الملهيات ، فإن التركيز أصل في الحفظ، فإن وجد فتورا و شرود ذهني فليدع الحفظ الوسائل العملية اختيار الوقت :اختيار أنسب الأوقات للحفظ و استذكاره ، و أحسنها : الأسحار ، و للبحث الأبكار ، و للكتابة وسط النهار و للمطالعة و المذاكرة الليل تحديد حجم المحفوظ:تحديد مقدارا معينا للحفظ يوميا ، إما : عدد الآيات أو الصفحات أو وحدة موضوع الآيات أو تشابه لفظها و صياغتها ....الخ و ليعلم أن القليل مع جودة الحفظ خير من الكثير ، لأن القليل يثبت و الكثير سريع الزوال، كل ذلك حسب قدرة الشخص على الحفظ ، و طريقة تحديد الآيات هي طريقة السلف الصالح، كما بينها الشيخ أبي عبد الرحمن السُّلمي بقوله : إنا أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات ، لم يتجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن من العمل . قال : فتعلمنا العلم و العمل جميعا انتهى قوله الإلتزام برسم مصحف واحد :لأنه يثبت في الذهن بالنظر على شكل صورة الآيات و مواضعها ، مع كثرة القراءة و الحفظ ، أو يستعمل اللوح الخشبي ، الذي يحدد فيه بخط يده بداية رأس اللوح و نهايته ، أو الأثمان و الأرباع مما تساعده على رسم صورة واضحة في ذهنه أو بعدد الأسطر في اللوح أو المصحفظ كل ذلك مساعد على التركيز و جودة الحفظ تصحيح القراءة على المقرئ و الإلتزام بالمقرئ الواحد :يجب على القارئ أن يصصح نطقه للآيات على شيخ متقن ، قبل البدأ بالحفظ ، لكي يحفظه على الصحة ، و عليه أن ينصت و يستمع جيدا إلى قراءة الشيخ لكي يعرف كيفية الأداء ،فالتجربة أثبتت أن حفظ القرآن لا يتم إلا عن طريق شؤيكين : شريك يتلو و يحفظ و هو الطالب ، و شريك يستمع و يصحح و هو الشيخ التسميع الذاتي و التسميع على الغير :التسميع الذاتي فهو يوضح مدى التقدم في الحفظ ،و يبعث على النشاط و الإستمرار ، أما التسميع على الغير فمهمّ لأن القارئ ربما خفي عليه شيئ من خطأ نفسه فلا ينتبه له ، بخلاف الغير، و الغالب أن يكون هذا الغير وهو الشيخ نفسه أو زميل الطالب في حلقة الشيخ ، بشرط أن يكون هذا الزميل أقرأ منه ، و ملائما له في السن و أن يكون يقظا أمينا لا يغفل حالة الإستماع ، و لو استمع له مع النظر في المصحف أو اللوح فهو أضبط الإستماع من الغير : هو جزء مكمل لعملية التسميع ، و يكوِّنان مع طريقة المدارسة ، و هي وسيلة مهمة لتصحيح القراءة و تثبيت الحفظ ، و لا مانع باستعمال آلات التسجيل الحديثة لعدد من قراء العالم أو المتقنين للتلاوة ، فيختار من القراء ما يرتاح له طبعه و تنجذب له نفسه من حسن الصوت و جمال الأداء و صحة التلفظ ...الخ معرفة المعاني و حسن التدبر :و هو الهدف الذي من أجله أنزل القرآن : قال تعالى :{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص ، و هذا مما يساعد على سهولة الحفظ و ترسيخه في الذهن ، و ليس المراد من فهم المعاني ، التفسير بل حل عباراتها الظاهرة و فهم المعنى العام للآيات تطبيق المحفوظ في المناسبات التعبدية :خاصة الصلوات الخمس ، فيستطيع الحافظ أن يقرأ المقدار المحفوظ في هذه الصلوات من أجل الترسيخ و من الأحسن في الصلاة الجهرية لجمع الفكر أو يتطوع بها في النوافل في قيام الليل ، أو صلاة التراويح في رمضان اختيار المكان :أن يكون هادئا بعيدا عن الضوضاء سواء في البيت أو المسجد ، بعيدا عن ما يلهيه عن جمع الفكر ..الخ الحفظ:ضبط الصورة المدركة
و له في القرآن الكريم عدة معان ، ذكرها الدامغاني في كتابه ( إصلاح الوجوه و النظائر ) و هي العلم : ومنه قوله تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (44) سورة المائدة الصيانة و العفة ومنه قوله تعالى :{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (29) سورة المعارج الحفظ بعينه ومنه قوله تعالى :{وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} (7) سورة الصافات الشفقة و منه قوله تعالى : {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (12) سورة يوسف الضمان و منه قوله تعالى:{فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (63) سورة يوسف الشهادة و منه قوله تعالى :{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } (6) سورة الشورى أما حفظ القرآن الكريم : فهو استكمال استظهاره غيبا ، و معاهدة المحفوظ و عدم النسيان .فلا يطلق حافظ القرآن إلا على من أتم الحفظ، و من نسي القرآن لا يسمى حافظا أيضا الفرق بين الحافظيْن الماهر و المتماهر قال ابن المنادي في كتابه ( متشابه القرآن العظيم ) ص 56 -58 : اعلم أن وقوع السهو لازم ، و كون كثيره يجلبه قلة التعاهد لدفعه ( أي أن السهو من الأمور المعهودة عند القراء و كثرته تكون بسبب قلة مراجعة القرآن الكريم للتخلص من السهو الكثير ) ..... فآية الحافظ جودة إتقانه و رجوعه عن خطئه في سرعة ، فهذا دليله عندغيره .( أي أن علامة الحافظ الماهر بالقرآن الكريم هي جودة حفظه و إذا أخطأ يرجع عن خطئه بسرعة و هذا الدليل يبين للناس أنه ماهر في حفظ القرآن الكريم )...... أما دليله عند نفسه ، ففطنته بخطئه، و هو على ذلك بين أمرين : إما أن يرجع إلى ما أخطأ فيه فيتلوه على صواب، و إما أن يعييه مطلبه فيجوزه إلى غيره مما يليه من سورته أو آيته إن كان به طول ، و هو مع ذلك على يقين أنه أخطأ الإستقامة ثم يعود من قريب ، فيتلوه مصيبا . ( أي أن الحافظ يعلم في نفسه أنه أخطأ و يتفطن لذلك و يصحح تلاوته و إذا لم يستطع تجاوز الخطأ و تابع التلاوة للآية التالية أو السورة إذا كانت طويلة و هو متيقن أن أخطأ ) أما المتماهر( و هو الذي لا يتقن الحفظ) آيته أن يتجوز خطأه و لا يتطوله ( أي لا يتفطن لخطئه فلا يراجع ما أخطأ فيه ليصوبه ) و لا يتشكك فيراجع ما شك فيه بغير صواب ، فهذه علامته عند غيره و تلك علامته عند نفسه . ثم قال : من كان بعْدَ هذين الموصوفَيْنِ فليسوا بحفاظ، بل يسمون متحفظين و المبتدئ منهم يسمى متلقِّناً ما هو شرط الحفظ الجيد للقرآن الكريم ؟
كل همك هو ارضاء الله تعالى ابتغاء الأجر منه سبحانه و تعالى قد تحفظ سورة (قل هو الله أحد) وتكون عند الله في أعلى الدرجات بسبب إخلاصك وصدقك مع ربك، وهذا ما يجعل المؤمن أكثر حفظاً لكتاب الله لأن الله يعينه على الحفظ وربما سمعت بقصة ذلك الصحابي الجليل الذي كان يقرأ بـ (قل هو الله أحد) في كل صلاة، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم ما الذي حملك على ذلك، فقال إني أحب هذه السورة لأن فيها صفة الرحمن، فأخبره النبي الكريم أن الله يحبه أيضاً أما الذي يريد حفظ القرآن ليفتخر به ويحصل على شهادة أو إجازة يظهرها للناس، فهذا ولو حفظ القرآن فإن ثوابه سيكون قليلاً، وربما جميعنا يعلم ذلك الرجل الذي أول من تسعّر به النار يوم القيامة، وهو رجل حفظ القرآن وقرأه ليقال عنه قارئ ويفتخر بحفظه أمام الناس ولا يريد وجه الله تعالى، فهذا أخذ الأجر في الدنيا، وليس له في الآخرة من شيء. إذن أخي الكريم وأختي الكريمة : إنَّ القليل من الحفظ مع الإخلاص خير من الكثير من الحفظ من دون إخلاص هذا أهم شرط يجب على من أراد حفظ القرآن الكريم أن يتمثله أمام مشروعه الهام. لماذا أحفظ القرآن الكريم ؟
هذا سؤال ينبغي عليك أن تتوجه به إلى نفسك، وينبغي أن تكون الإجابة واضحة في ذهنك، فلماذا تحفظ القرآن؟ وكلما كانت فوائد هذا العمل أكثر كلما كانت همَّتك أعلى واستطعت تحقيق الهدف بسهولة، فما هي فوائد حفظ القرآن الكريم؟ ينبغي أن تكون الصورة واضحة لديك أخي القارئ حتى تدرك أهمية الحفظ وفوائده والمنافع التي ستحصل عليها من حفظ القرآن.
|
الأرشيف:
Auteur
معلم الأجيال ما يفيدهم راجيا منهم دعوة في ظهر الغيب |