الهدف الرئيسي هو إبراز الطابع العام للأخلاق التي تستمد من كتاب الله الحكيم ، و ذلك من الناحيتين النظرية و العملية . لا ينكر أن عددا من فقهاء المسلمين قد بحثوا في مقاييس الخير و الشر ، و أن عددا من رجال الشرع قد تكلموا في شروط المسئولية ، و أن بعض الأخلاقيين قد ناقشوا جدوى ( الجهد الإنساني ) و ضرورة ( النية الطيبة ) ، غير أن هذه الجهود التي لا ينكر أحدا قيمتها ظلت مبعثرة في بطون الكتب التي لم تقتصر على معالجة الأخلاق ، بل غلبت عليها آراء أخرى في الفقه و الشريعة و علوم الدين و اللغة .كما أن النظرية التي أراد هؤلاء المفكرون أن يبرزوها كانت تعتمد إلى حد كبير على الرأي الشخصي ، أو كانت تعبر عن اتجاه المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها صاحب النظرية ، و لم تكن الإستعانة بالآيات القرآنية إلا من قبيل الإستشهاد بها في تأييد هذا المبدأ أو ذاك . أما مؤلف كتاب : دستور الأخلاق في القرآن الكريم ،فقد وضع نفسه منذ اللحظة الأولى على أرض الأخلاق ، و أخذ يعالج المسائل الأخلاقية الواحدة بعد الأخرى ، بحسب المفاهيم و المعايير التي تُعالج بها عند علماء الأخلاق المحدثين. من ناحية أخرى نجده يعني بمناقشة الحلول التي جاء بها بعض المفكرين في الشرق أو الغرب ، متخذا من آرائهم و مبادئهم وسيلة للمقارنة، و أثناء ذلك كله يجعل من القرآن الكريم دائما نقطة ارتكازه ، و يعتمد في استخلاصه للإجابة الشافية على المسائل المطروحة ، اعتمادا مباشرا على النصوص القرآنية . و هنا ، في الحقيقة ، وجه الصعوبة. إذ أن القرآن الكريم - كما نعرف - ليس كتاب فلسفة، إذا كنا نقصد بالفلسفة مجموعة من الأفكار نابعة من العقل و تتسلسل وفق منهج معين ، و يكون الغرض منها تكوين نسق من المبادئ لتفسير طائفة من ظواهر الطبيعة أو الكون.إذا كنا لا نستطيع أن نجد في القرآن هذا النسق لأول وهلة ،ألا توجد ، مع ذلك ، وسيلة لجمع العناصر و المواد الأولية اللازمة لبنائه ؟لقد سأل المؤلف نفسه هذا السؤال بالنسبة ( للمشكلة الأخلاقية ) ووجد له من خلال بحثه الحل الإيجابي . فبعد أن نحّى جانبا الأحكام الأخلاقية الخاصة ، أخذ يتأمل في النص القرآني الكريم باحثا عن سمات ( الواجب ) ، و عن طبيعة ( السلطة ) التي ينبعث عنها ( الإلزام ) أو التكليف ، و عن درجة ( المسئولية ) الإنسانية و شروطها ، و عن طبيعة ( الجهد ) المطلوب للعمل الأخلاقي ، و المبدأ الأسمى الذي يجب أن يحفز ( الإرادة ) للعمل . و في كل من هذه المسائل استطاع المؤلف أن يستخلص عددا من الصيغ العامة التي تحدد ما في القرآن و تستوفي الناحية النظرية. و كان هدفه الإجابة على هذا السؤال الجوهري : كيف يصور القرآن عناصر الحياة الأخلاقية ؟ و عندما يحتدم النزاع بين المدارس الفكرية كان الإحتكام في جميع الحالات إلى نصوص الكتاب المنزل للإهتداء بها في الأخذ برأي معين دون سواه .